العم محمود يجمع الكلاب الشاردة: لماذا يطاردونه؟

لا يشبه محمود يوسف، البالغ 83 عاماً، أقرانه الذين دخلوا العقد الثامن من العمر. هو “عمو محمود”. هكذا يلقبه أبناء الميناء في طرابلس. رجلٌ مسنٌّ، قويٌّ، حنونٌ وطيب. لم يستسلم العم محمود لشيخوخته. لا يزال مُقدماً ومعطاءً. كأنّ عمره المديد يطولُ رأفةً بكلابه وقططه الذين يشغلون حياته.

ليس للعم محمود زوجة وأولاد. قضى العمر وحيداً بعدما توفيت والدته وتخلى عنه أخوته. لكنه صنع من وحدته حياةً أخرى، عاشها شغوفاً ومستمتعاً بحبّه للحيوانات. لا يترك “عمو محمود” كلباً شارداً في طرق الميناء، إلا ويأتي به إلى أرضه التي تقع ضمن بساتين الميناء المواجهة للشاطئ البحري، وقد انتقل إيجارها إليه من والده قبل 37 عاماً. اشتهر بحبّه الكلاب التي بلغ عددها في أرضه 53 كلباً. يقضى معها وقته. تُؤنسه ويُؤنسها، ويقدم لها الرعاية والاهتمام.

بين فترةٍ وأخرى، “يتعرض العم محمود للابتزاز ومضايقاتٍ كثيرة من أشخاصٍ يريدون شراء الأرض بالقوّة، وإخضاعها إلى مشروع الضمّ والفرز هناك”، تقول شابة تتردد عليه يومياً وتهتمّ به.

الأشخاص أنفسهم، أقدموا مساء الخميس في 23 شباط 2018، على إرسال شابيّن تسللوا إلى الأرض وأطلقوا النار في اتجاه الكلاب الذين نبحوا بصوتٍ عالٍ. مات كلبٌ واحد، وأصيب 3 إصابات حرجة. يُدرك “المتآمرون” أنّ هذه الكلاب هي نقطة ضعف العمّ محمود الذي أُصيب بفاجعةٍ إثر التعدّي عليها، ورغم ذلك، لم يرتدعوا.

حملةُ تضامنٍ واسعة تلقاها العمّ محمود الذي يحاول تمالك نفسه وأعصابه. لكنّ ما يتعرض له من اعتداءٍ مع كلابه، يرتبط أساساً بقضيّة الأرض.

هذه الأرض، استأجرها والد العم محمود منذ نحو 130 عاماً. وقد بنى عليها بيتاً تراثيّاً جميلاً، واستصلح الأرض، ونبت فيها أكثر من مليون شتلة، قبل أن تنتقل إلى ابنه بعد وفاته. “منذ نحو 30 عاماً، اتخذ عدد من أصحاب المشاريع في الميناء قراراً بشراء هذه الأرض، لضمها إلى مشروع الضم والفرز. لكنّ عمو محمود رفض التخلّي عنها، ووافقه مالكها على ذلك”. تقول الشابة: “كان يلفتني دوماً مع رفاقي مشهده وهو يعتني بالكلاب. فأصبحنا نرمي السلام عليه، إلى أن دخلنا تفاصيل يومياته لنقدم له العون والمساندة، بينما هناك فئة من أهالي الميناء تصفه بالجنون”.

قرار عدم التخلي عن الأرض، دفع العمّ محمود ثمنه غاليّاً. حين ورث الأرض، أيّ قبل 37 عاماً، “غاب عنها 3 سنوات لوجوده القصري في السجن في سوريا، بسبب اتهامه بإطلاق النار على جنود سوريين تعدوا على أرضه وأطلقوا النار عليه. وعندما عاد، وجد أن الأشخاص الذين يحاولون أذيّته هدموا بيته الأثري، ولم يبقَ منه سوى الحجر، ونزعوا الشتلات الزراعية من الأرض”. حاول “المتآمرون” اقناع العم محمود أنّه “مُهجّر” لأنه ترك منطقته الضنيّة، وطلبوا منه الذهاب إلى صندوق المهجرين كي يتقاضى 12 ألف دولار أميركي مقابل تركه الأرض. رفض العرض، كما رفض وصفه بـ”المهجر”.

قضية أرض العمّ محمود لا تزال في المحاكم. “الأطراف المتآمرة عليه تسعى إلى إصدار حكمٍ ليس لمصلحته، ولم يصدر بعد رغم مرور نحو 3 عقود. وفي كلّ مرّة يُعيّن فيها محاميّاً للدفاع عن حقّه، يكتشف لاحقاً أنه يتواطأ مع المتآمرين ضدّه”.

عندما هُدمَ بيت العمّ محمود، اشترى كارافاناً ووضعه في الأرض لتربية الكلاب. أصبح يساعد الكلاب المشردة، يأتي بها إلى أرضه لتربيتها واعطائها اللقاحات اللازمة، التي يقدمها الطبيب البيطري الذي كلّفه بالمهمة دورياً. “كلّ كلاب عمو محمود ملقحة وأليفة وسليمة ولا تعضُّ أحداً”.

ابتزازات المتآمرين للعمّ محمود بكلابه ليستْ جديدة. قبل شهر، أرسلوا شباباً إلى الأرض، ورموا قنابل صوتيّة ليشعر الكلاب بالذعر. والأسبوع الماضي، مرّوا بسيارةٍ تعمدتْ دهس أحد كلابه، الذي توفي لاحقاً بسبب نزيفٍ داخلي.

يتميّز العمّ محمود برباطة جأشه. فـ”هو يملك سلاحاً مرخصاً. لكنه لا يقوى على رفعه على أحد، رغم ما يتعرض له من اعتداءاتٍ من دون تحرك الدولة والجهات المعنيّة لحمايته”.

لا يشكو العم محمود من أيّ مرض، رغم كبر سنّه. لقد عمل في الأرض وعاش عمره فيها وهو يحافظ على صحته وبنيته القويّة. منذ مدة، “تعرض إلى وعكةٍ صحية في غضروف ركبته. رفض إجراء العملية كي لا يبعد عن كلابه ويعجز عن الاهتمام بها”.

أمنية العم محمود أنّ يعيش مع كلابه الـ53 وقططه الثمانيّة التي تنام بالقرب منه، حتّى آخر نفسٍ من حياته. فـ”هو يدعو أن لا ينقطع نفسه، لأجلها فحسب”.

المصدر: جنى الدهيبي | السبت 24/02/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!